لندن: «الشرق الأوسط»
الذي يشاهد صور العربتين «سبيرت»
و«أوبرتشونتي» وهما تتحركان فوق سطح المريخ ليعجب بالأسلوب، الذي يتم فيه
ذلك. كل ذلك يتم بواسطة كومبيوتر صغير في مختبر الدفع النفاث في باسادينا
في كاليفورنيا، يجلس خلفه شخص وقد وضع على عينيه نظارة خاصة ليشاهد ما يبدو
أمامه على الشاشة بالأبعاد الثلاثة.
ما أقرب اليوم من أمس، فقد كان الكومبيوتر آنذاك قبل 35 عاما، أو أكثر
بقليل، آلة كبيرة تلقم بالبطاقات المثقبة، أو في كومبيوتر هائل الحجم يعمل
على أنانبيب الفراغ مثل ذلك الذي احتل طابقين في يوم من الأيام في جامعة
جون هوبكنز في الولايات المتحدة. اليوم حلت محل كل ذلك الرقاقات (الشرائح)
الإلكترونية التي تصنع بالتكنولوجيا الدقيقة. وقام العلماء في مختبر الدفع
النفاث الذي أتينا على ذكره، والذي يسير العربات على المريخ عن بعد باتخاذ
خطوة اضافية لتصغير هذه الرقائق، وبالتالي أجهزة الكومبيوتر للدخول في عالم
قد يتعدى فهم الأشخاص العاديين ربما. ويعتقد العلماء أن المزيد من التصغير
في هذه الآلات والاجهزة المعقدة، مع الحصول على سرعات معالجة عالية جدا في
المستقبل قد تفوق الخيال، ستعتمد على مبدأ الفيزياء الكمية، أي علم حركة
الذرات والجسيمات الذرية. وهذه ستشكل كما ذكرنا عماد الاجيال المقبلة من
رقائق الكومبيوتر التي ستكون صعبة الفهم على الأشخاص العاديين من امثالنا،
لكونها ستكون فعلا أمرا مذهلا.
ان رقائق اليوم لا تختلف كثيرا عن الألواح التصويرية، اذ عن طريق استخدام
شعاع ضوئي قوي، أو بلازما حرارية، يقوم المصممون بحفر قنوات على رقائق
السيليكون الرقيقة التي تشبه القالب الصغير. وكلما كان الضوء قوياً كلما
صغر حجم القناة، ثم ان بعض اطياف هذا الضوء تحفر قنوات شبيهة بطرقات ذرية
متناهية الصغر، الا ان الإلكترونيات التي تسري في هذه القنوات تخضع لقوانين
الفيزياء النووية.
لكن في الفيزياء الكمية تتصرف جسيمات الضوء بشكل مختلف متحدية قوانين
الفيزياء هذه، وبالتالي فإنه عن طريق استخدام نظرية الكم يعتقد العلماء
انهم يستطيعون حفر قنوات اصغر من تلك التي ذكرناها بنسبة 90 في المائة في
البداية، اي حفر قنوات لا يتعدى عرضها المائتين والخمسين ذرة.
وعلى سبيل المقارنة، ولجعل القارئ يدرك هذه الأبعاد، فإن النقطة العادية
التي تنتهي بها الجملة، أو الفقرة الكتابية عادة يبلغ عرضها نحو 5 آلاف ذرة،
أو أكثر.
ووفقا لنظرية الكم فإنه لدى استخدام الفوتونات أي جسيمات الضوء، لكن بشكل
متشابك، فإنها تتصرف كفوتونات بضعفي طاقتها العادية، ولذا يمكن حفر قنوات
اصغر على الرقائق. وهذا أمر مهم جداً، لأنه حتى الآن لم يقم أحد باستخدام
الخصائص الكمية للضوء لتحسين دقة عملية الحفر وتصغيرها، من هنا فإن لدى
البشر الآن إمكانية زيادة قدرتنا على حفر قنوات اصغر.
لكن هناك بعض المشككين ايضا الذين يقولون انه ليس كل ما يرسم على الورق
يعمل في العالم الواقعي. ويتساءل هؤلاء عن قدرة مصممي الرقائق على توليد
كميات كافية من الفوتونات الضوئية المتشابكة، لكن سواء تمكن هؤلاء من إنجاز
رقائق الأجيال المقبلة أم لم يتمكنوا، فإن عقل الإنسان لا بد ان يخرج بشيء
جديد طالما استطاع الوصول إلى مبدأ لا يتعدى عرضه الـ 250 ذرة.